moslima Admin
عدد المساهمات : 180 نقاط : 146 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 24/01/2009
| موضوع: التواضع المحمدي السبت فبراير 21, 2009 1:05 pm | |
| --------------------------------------------------------------------------------
تواضعه صلى الله عليه وسلم: ثم هذا تواضعه : تواضع يحار أمامه ذوي العقول والألباب وأصحاب الفكر والرؤى . فكيف لم يصبه بعض من غرور وهو الذي كان لابد ووفقا للمعايير الإنسانية والفطر البشرية والسنن الإلهية أن يصيبه بعضا منه ، فإن سما وتحامل على نفسه وقاوم كبرياء النفس البشرية المفطورة على شيء من الكبر شأن شتى أنواع الشر المولود بها البشر بتفاوت بينهم ، فسوف يطوي هذا الكبرياء بين جوانحه ويقهره ، ولكنه حتما كان سيظهر ولو في فلتات اللسان أو في نظرات الأعين أو في أي قولة أو فعلة أو سكنة أو حركة . كما ظهر عند الفاروق عمر عندما رآه عروة بن الزبير يحمل على عاتقه قربة ماء فقال له ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال لما أتاني الوفود سامعين طائعين دخلت نفسي نخوة فأردت أن أقهرها ، وكما شاهدوا عبد الله بن سلام سيد اليهود وشريفها خارج من حائط له بحزمة حطب يحملها فلما أبصره الناس قالوا يا أبا يوسف قد كان يغني ولدك وعبيدك ما يكفيك قال أردت أن أعرف هل ينكر قلبي شيء من ذلك ، وهكذا كان يفعل معظم الصحابة الكرام كأبي هريرة رضي الله عنه الذي كان يحمل الحطب على كتفيه ويخرج إلى السوق يبيع ويشتري ويقول وسعوا لأميركم ، وبلالا إذ رأى رسول الله في عينيه إعجابا بصوته فقال له " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"(1) ولكن شيئا من ذلك قليلا أو كثيرا دقيقا أو عظيما لم يظهر ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم ، وأقصد بهذا الشيء مجاهدة الكبر وكبح جماحه : لماذا ؟ الأنه لم يولد به ؟ كلا فبذور الخير والشر مولود بها كل البشر حتى الأنبياء ، أم لأنه لم يكن يملك موجبات هذا الكبر أو الغرور ؟ كلا فكل أسبابه ومبرراته موجودة وأقلها أنه سيد ولد آدم بكل زهو وفخر لنا ، أم لأنه تعلم من سادات قريش وعظمائها التواضع وعدم الغرور ؟ ولا ذاك أيضا لأن الفخر والكبرياء والزهو سمات عربية أصيلة ، لا لهذا كله إلا لأنه لم يطوي غرورا بين جوانحه ولم يجاهد كبرياء سكن في أضلعه ولكنه طوى التواضع ذاته وجاهد التواضع نفسه , فلم يستطع أي منهما – التواضع أو نقيضه – أن يظهر ، فهو إذن لم يكن متواضعا لأن التواضع كان عنده طبيعيا فطريا نقيا سليما , ولم يكن أيضا مغرورا لأنه لم يجرب الغرور أو الكبر ولم يعرفهما وبهذه السليقة والفطرة كان يمرعلى الصبيان ويسلم عليهم ، وكان في بيته في خدمة أهله ، وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب الشاة ويعلف البعير ويركب الحمار ويأكل مع الخادم ويجالس المسكين ويمشي مع الأمة ويقضي لليتيم والأرملة ويبدأ من لقيه بالسلام ولا يدع يده من يده حتى يكون الآخرهو الذي يخلعها ، يجيب دعوة العبد ويحمل حاجته وينام على الحصير ويربط الحجر على بطنه ويمشي بين الناس كأحدهم , إذا رآه من يجهله بين أصحابه لا يعرفه إلا بالنور والبهاء في وجهه وكان يجلس حيث انتهى به المجلس ولا يمل من جواب سائله ويأتي مراعاة الضيف ولا يرد صاحب حاجة ولا يرد الهدية ولا يرد الإساءة بالإساءة ،"لا يأكل متئكا ولا على خوان ، منديله باطن قدميه ، لم يشبع من خبز بر ثلاثا تباعا حتى لقي الله تعالى إيثارا على نفسه زهدا وليس بخلا ، يحلب الوليمة ويعود المرضى ويشهد الجنائز ، يمشي وحده بين أعدائه بغير حارس ، أشد الناس تواضعا ، وأسكتهم في غير كبر ، وأبلغهم في غير تطويل ، وأحسنهم بشرا ، لا يهوله شيء من أمور الدنيا ، ويلبس ما وجد ، فمرة شملة ومرة برد حبرة يمانيا ، ومرة جبة صوف ، ما وجد من المباح يردف خلفه عبد أو غيره ، يركب ما أمكنه ، مرة فرسا ومرة بعيرا ومرة حمارا ومرة بغلة شهباء ومرة راجلا بلا رداء وبلا عمامة ولا قلنسوة ، يصل ذوي رحمه ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر ، يمزح بحق يضحك في قهقهة ويرى اللعب المباح فلا ينكره ويسابق أهله …"(1) كان طلقا مبتسما مبشرا غير منفرا رقيقا رحيما خافض الجناح لين الجانب .. وبهذه الفطرة والسليقة النقية الطاهرة قال " ألا أدلكم على من تحرم النار ؟ على كل قريب هين لين سهل "(2) و " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في ديوان الجبارين فيصيبه ما أصابهم " (3) ووصف المؤمنين بقوله " الموطئون أكنافا الذين يألفون ويأُلفون "(4) وبهذه الفطرة والسليقة النقية الطاهرة المبرأة من كل عيب ودنس أوحى الله إليه أن يأمر الناس بالتواضع فقال صلى الله عليه وسلم " ألا إنه أوحي إلى عباد الله أن تواضعوا كي لا يبغي أحد على أحد ولا يطغى أحد على أحد " (5)، فالوحي هنا لهم وليس له والأمر لهم وليس له لأنه لم يكن متكبرا ليتواضع .ولم يكن التواضع عنده مجاهدة أو تكلفا ولكنه كان فطرة وطبيعة ، روى البيهقي عن أنس قوله دخل رسول الله مكة يوم الفتح وذقنه على راحلته متخشعا وقال بن اسحق عن عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله ليضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله يوم الفتح حتى أن عثنونه (6) ليكاد يمس واسطة الرحل
------------------ (1) صحيح مسلم 91 دون الإشارة إلى بلالا (1)جوامع السيرة النبوية لابن حزم الأندلسي (2) الجزء الثاني من حديث يحي بن معين (3) التواضع والخمول لعبد الله القرشي (4) أورده الجرجاني في الكامل في الضعفاء وضعفه العراقي في تخريج الإحياء (5)صحيح مسلم 2865 (6) حياة الصحابة للكاندهلوي الجزء الثاني والعثنون هو اللحية __________________[b][/b][b] | |
|